أن للذكر مثل حظ الأنثيين، فلو كانت معرفة حظ الأنثيين مستخرجة من حظ الذكر لزم الدور ساقط؛ لأن المستخرج هو الحظ المعين للأنثيين وهو الثلثان، والذي يتوقف عليه معرفة حظ الذكر هو معرفة حظ الأنثيين مطلقا، فلا دور لانفكاك الجهة. واعترضه بعضهم أيضا: بأن للابن مع البنتين النصف، فيدل على أن فرضهما النصف، ويؤيد الأول أن البنتين لما استحقتا مع الذكر النصف علم أنهما إن انفردتا عنه استحقتا أكثر من ذلك؛ لأن الواحدة إذا انفردت أخذت النصف، بعدما كانت معه تأخذ الثلث، ويزيده إيضاحا أن البنت تأخذ مع الابن الذكر الثلث بلا نزاع، فلأن تأخذه مع الابنة الأنثى أولى.
فبهذا يظهر أنه جل وعلا، أشار إلى ميراث البنتين بقوله:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} كما بينا، ثم ذكر حكم الجماعة من البنات، وحكم الواحدة منهن بقوله:{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} ومما يزيده إيضاحا أنه تعالى فرعه عليه بالفاء في قوله: {فَإِنْ كُنَّ} إذ لو لم يكن فيما قبله ما يدل على سهم الإناث لم تقع الفاء موقعها كما هو ظاهر. الموضع الثاني: هو قوله تعالى في الأختين: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ}؛ لأن البنت أمس رحما، وأقوى سببا في الميراث من الأخت بلا نزاع، فإذا صرح تعالى: بأن للأختين الثلثين علم أن البنتين كذلك من باب أولى. وأكثر العلماء على أن فحوى الخطاب، أعني: مفهوم الموافقة الذي المسكوت فيه أولى بالحكم من المنطوق من قبيل دلالة اللفظ، لا من قبيل القياس، خلافا للشافعي وقوم، كما علم في الأصول، فالله تبارك وتعالى لما