وقد قدمنا الآيات الدالة على ذلك في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى:{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ} والآيات المذكورة تدل على أن حصول كل ما يشاءه الإِنسان لا يكون إلَّا في الجنة.
وقوله: {كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (١٥)} المصير مكان الصيرورة. وقد مدح الله جزاءهم ومحله، كقوله تعالى: {نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (٣١)} لأن حسن المكان وجودته من أنواع النعيم.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (١٦)} فيه وجهان معروفان:
أحدهما: أن معنى كونه مسؤولًا أن المؤمنين كانوا يسألونه، وكانت الملائكة أيضًا تسأله لهم. أما سؤال المسلمين له فقد ذكره تعالى بقوله عنهم: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (١٩٤)} وسؤال الملائكة لهم إياه ذكره تعالى أيضًا في قوله: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} الآية.
وقال بعض العلماء: مسؤولًا، أي: واجبًا؛ لأن ما وعد الله به فهو واجب الوقوع؛ لأنه لا يخلف الميعاد، وهو جلَّ وعلا يوجب على نفسه بوعده الصادق ما شاء، لا معقب لحكمه. ويستأنس لهذا القول بلفظة (على) في قوله {كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (١٦)} كقوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.
وقال بعض أهل العلم: إن المسلمين يوم القيامة يقولون: قد فعلنا في دار الدنيا كل ما أمرتنا به فانجز لنا ما وعدتنا.
والقولان الأولان أقرب من هذا. والعلم عند الله تعالى.