للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي: أهلكنا قوم نوح بالغرق، وأهلكنا عادًا وثمودًا وأصحاب الرس، وقرونًا بين ذلك كثيرًا؛ أي: وأهلكنا قرونًا كثيرة بين ذلك المذكور من قوم نوح، وعاد، وثمود.

والأظهر أن القرون الكثير المذكور: بعد قوم نوح، وعاد، وثمود، وقبل أصحاب الرس، وقد دلت آية من سورة إبراهيم على أن بعد عاد، وثمود خلقًا كفروا وكذبوا الرسل، وأنهم لا يعلمهم إلَّا الله جلَّ وعلا.

وتصريحه بأنهم بعد عاد وثمود يوضح ما ذكرنا، وذلك في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩)}.

وقد قدمنا كلام أهل العلم في معنى قوله: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} والإِشارة في قوله: {بَيْنَ ذَلِكَ} راجعة إلى عاد، وثمود، وأصحاب الرس، أي: بين ذلك المذكور. ورجوع الإِشارة، أو الضمير بالإِفراد مع رجوعهما إلى متعدد باعتبار المذكور أسلوب عربي معروف، ومنه في الإِشارة قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} أي: ذلك المذكور من الفارض والبكر، وقوله تعالى: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (٦٧)} أي: بين ذلك المذكور من الإِسراف والقتر، وقول عبد الله بن الزبعري السهمي:

إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل