للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: يوجد في كلام بعض السلف أن القمر في فضاء بعيد من السماء، وأن علم الهيئة دل على ذلك، وأن الأرصاد الحديثة بينت ذلك.

قلنا: ترك النظر في علم الهيئة عمل بهدى القرآن العظيم؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لما تاقت نفوسهم إلى تعلم هيئة القمر منه - صلى الله عليه وسلم - ، وقالوا له: يا نبي الله: ما بال الهلال يبدو دقيقًا، ثم لم يزل يكبر حتى يستدير بدرًا؟ نزل القرآن بالجواب بما فيه فائدة للبشر وترك ما لا فائدة فيه، وذلك في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} وهذا الباب الذي أرشد القرآن العظيم إلى سده لما فتحه الكفرة كانت نتيجة فتحه الكفر والإِلحاد وتكذيب الله ورسوله من غير فائدة دنيوية. والذي أرشد الله إليه في كتابه هو النظر في غرائب صنعه، وعجائبه في السماوات والأرض؛ ليستدل بذلك على كمال قدرته تعالى، واستحقاقه للعبادة وحده. وهذا المقصد الأساسي لم يحصل للناظرين في الهيئة من الكفار.

وعلى كل حال فلا يجوز لأحد ترك ظاهر القرآن العظيم إلَّا لدليل مقنع يجب الرجوع إليه، كما هو معلوم في محله.

ولا شك أن الذين يحاولون الصعود إلى القمر بآلاتهم ويزعمون أنهم نزلوا على سطحه سينتهي أمرهم إلى ظهور حقارتهم، وضعفهم، وعجزهم، وذلهم أمام قدرة خالق السماوات والأرض جلَّ وعلا.

وقد قدمنا في سورة الحجر أن ذلك يدل عليه قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (١٠) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (١١)}.