هو إثبات له، ونفي للصمم والعمى، كما تقول: لا يلقاني زيد مسلِّمًا، هو نفي للسلام، لا للقاء.
والمعنى: أنهم إذا ذكروا بها أكبوا عليها حرصًا على استماعها وأقبلوا على المذكر بها، وهم في إكبابهم عليها سامعون بآذان واعية، مبصرون بعيون راعية. انتهى محل الغرض منه.
ولا يخفى أن لهذه الآية الكريمة دلالتين: دلالة بالمنطوق، ودلالة بالمفهوم، فقد دلت بمنطوقها على أن من صفات عباد الرحمن أنهم إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها، أي: لم يكبوا عليها في حال كونهم صمًا عن سماع ما فيها من الحق، وعميانًا عن إبصاره، بل هم يكبون عليها سامعين ما فيها من الحق مبصرين له.
وهذا المعنى دلت عليه آيات أخر من كتاب الله، كقوله تعالى:{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} الآية. ومعلوم أن من تليت عليه آيات هذا القرآن، فزادته إيمانًا أنه لم يخر عليها أصم أعمى، وكقوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤)} وقوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} إلى غير ذلك من الآيات.
وقد دلت الآية المذكورة أيضًا بمفهومها: أن الكفرة المخالفين لعباد الرحمن الموصوفين في هذه الآيات إذا ذكروا بآيات ربهم خروا عليهما صمًا وعميانًا، أي؛ لا يسمعون ما فيها من الحق، ولا يبصرونه، حتى كأنهم لم يسمعوها أصلًا.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة بمفهومها