للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد قلنا فيها ما نصه: والجواب عن قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ} أن الجناح هنا مستعمل في حقيقته؛ لأن الجناح يطلق لغة حقيقة على يد الإِنسان وعضده وإبطه. قال تعالى: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} والخفض مستعمل في معناه الحقيقي الذي هو ضد الرفع؛ لأن مريد البطش يرفع جناحيه، ومظهر الذل والتواضع يخفض حناجيه، فالأمر بخفض الجناح للوالدين كناية عن لين الجانب لهما، والتواضع لهما، كما قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥)} وإطلاق العرب خفض الجناح كناية عن التواضع، ولين الجانب أسلوب معروف. ومنه قول الشاعر:

وأنت الشهير بخفض الجنا ... ح فلا تك في رفعه أجدلا

وأما إضافة الجناح إلى الذل، فلا تستلزم المجاز كما يظنه كثير؛ لأن الإِضافة فيه كالإِضافة في قولك: حاتم الجود.

فيكون المعنى: واخفض لهما الجناح الذليل من الرحمة، أو الذلول على قراءة الذل بالكسر.

وما يذكر عن أبي تمام من أنه لما قال:

لا تسقني ماء الملام فإنني ... صب قد استعذبت ماء بكائي

جاءه رجل فقال له: صب لي في هذا الإِناء شيئًا من ماء الملام، فقال له: إن أتيتني بريشة من جناح الذل صببت لك شيئًا من ماء الملام، فلا حجة فيه؛ لأن الآية لا يراد بها أن للذل جناحًا، وإنما يراد بها خفض الجناح المتصف بالذل للوالدين من الرحمة بهما. وغاية ما في ذلك إضافة الموصوف إلى صفته، كحاتم الجود، ونظيره