للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعمالهم، ألا يسجدوا، أي: عدم سجودهم. وعلى هذا فأعمالهم هي عدم سجودهم للَّه. وهذا الإِعراب يدل على أن الترك عمل كما أوضحناه في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (٣٠)}.

وقال بعضهم: إن المصدر المذكور في محل خفض على أنه بدل من السبيل، أو على أن العامل فيه فهم لا يهتدون، وعلى هذين الوجهين فلفظة لا صلة، فعلى الأول منهما فالمعنى: فصدهم عن السبيل سجودهم للَّه، وعلى هذا فسبيل الحق الذي صدوا عنه هو السجود للَّه، ولا زائدة للتوكيد. وعلى الثاني فالمعنى: فهم لا يهتدون لأن يسجدوا للَّه، أي: للسجود له، ولا زائدة أيضًا للتوكيد. ومعلوم في علم العربية أن المصدر المنسبك من فعل، وموصول حرفي إن كان الفعل فيه منفيًا ذكرت لفظة عدم قبل المصدر؛ ليؤدى بها معنى النفي الداخل على الفعل، فقولك مثلًا: عجبت من أن لا تقوم. إذا سبكت مصدره لزم أن تقول: عجبت من عدم قيامك، وإذا كان الفعل مثبتًا لم تذكر مع المصدر لفظة عدم، فلو قلت: عجبتُ من أن تقوم، فإنك تقول في سبك مصدره: عجبت من قيامك، كما لا يخفى. وعليه فالمصدر المنسبك من قوله: {أَلَّا يَسْجُدُوا} يلزم أن يقال فيه: عدم السجود، إلَّا إذا اعتبرت لفظة "لا" زائدة. وقد أشرنا في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} إلى أنا أوضحنا الكلام على زيادة لا لتوكيد الكلام في كتابنا "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" في أول سورة البلد في الكلام على قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١)} وسنذكر طرفًا من كلامنا فيه هنا.