وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧)} قال بعض العلماء: تختبرون. وقال بعضهم: تعذبون، كقوله: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)} وقد قدمنا أن أصل الفتنة في اللغة وضع الذهب في النار؛ ليختبر بالسبك أزائف هو أم خالص؟ وأنها أطلقت في القرآن على أربعة معان:
الأول: إطلاقها على الإِحراق بالنار، كقوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)} وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} أي: حرقوهم بنار الأخدود على أحد التفسيرين. وقد اختاره بعض المحققين.
المعنى الثاني: إطلاق الفتنة على الاختبار, وهذا هو أكثرها استعمالًا، كقوله تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} وقوله تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} والآيات بمثل ذلك كثيرة.
الثالث: إطلاق الفتنة على نتيجة الاختبار إن كانت سيئة خاصة. ومن هنا أطلقت الفتنة على الكفر والضلال، كقوله تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي: حتى لا يبقى شرك. وهذا التفسير الصحيح دل عليه الكتاب والسنَّة.
أما الكتاب فقد دل عليه في قوله بعده في البقرة:{وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} وفي الأنفال: {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} فإنه يوضح أن