للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم الزوجية الأولى في الكفر. وهذا القول هو الصحيح، وهو الذي يدل القرآن لصحته؛ لأن القول الأول فيه حمل ملك اليمين على ما يشمل ملك النكاح، وملك اليمين لم يرد في القرآن إلا بمعنى الملك بالرق، كقوله: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} وقوله: {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} وقوله: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} في الموضعين، فجعل ملك اليمين قسما آخر غير الزوجية، وقوله: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فهذه الآيات تدل على أن المراد بما ملكت أيمانكم الإماء، دون المنكوحات، كما هو ظاهر، وكذلك الوجه الثاني غير ظاهر؛ لأن المعنى عليه: وحرمت عليكم الحرائر إلا ما ملكت أيمانكم، وهذا خلاف الظاهر من معنى لفظ الآية كما ترى.

وصرح العلامة ابن القيم -رحمه الله- بأن هذا القول مردود لفظا ومعنى. فظهر أن سياق الآية يدل على المعنى الذي اخترنا، كما دلت عليه الآيات الأخرى التي ذكرنا، ويؤيده سبب النزول، لأن سبب نزولها كما أخرجه مسلم في صحيحه، والإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وعبد الرزاق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أصبنا سبيا من سبي أوطاس ولهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فاستحللنا فروجهن.