أسمع بهم، وأبصر يوم يأتوننا بمعنى ما أسمعهم وما أبصرهم للحق الذي كانوا ينكرونه يوم يأتوننا، أي: يوم القيامة. وهذا يوضح معنى قوله:{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ} أي: تكامل فيها لمبالغتهم في سمع الحق وإبصاره في ذلك الوقت. وقوله: {لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٨)} يوضح معنى قوله: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (٦٦)}؛ لأن ضلالهم المبين اليوم، أي: في دار الدنيا، هو شكهم في الآخرة، وعماهم عنها. وكقوله تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢)} أي: علمك اليوم بما كنت تنكره في الدنيا مما جاءتك به الرسل حديد، أي: قوي كامل.
وقد بينا في كتابنا [دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب] في سورة الشورى في الجواب عما يتوهم من التعارض بين قوله تعالى: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} وقوله تعالى: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢)} أن المراد بحدة البصر في ذلك اليوم: كمال العلم وقوة المعرفة. وقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢)} فقوله: إنا موقنون، أي: يوم القيامة، يوضح معنى قوله هنا:{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ} وكقوله تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (٤٨)} فعرضهم على ربهم صفًا يتدارك به علمهم لما كانوا ينكرونه. وقوله: {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (٤٨)} صريح في أنهم في الدنيا كانوا في شك وعمى عن البعث والجزاء، كما ترى إلى غير ذلك من الآيات.
واعلم أن قوله: بل ادارك فيه اثنتا عشرة قراءة، اثنتان منها فقط سبعيتان، فقد قرأه عامة السبعة غير ابن كثير وأبي عمرو: بل ادارك