للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما الأول منهما: وهو وجود القرينة الدالة على عدم صحته، فهو أن قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ} معطوف على قوله: ففزع، وذلك المعطوف عليه مرتب بالفاء على قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} الآية. أي: ويوم ينفخ في الصور، فيفزع من في السماوات، وترى الجبال. فدلت هذه القرينة القرآنية الواضحة على أن مر الجبال مر السحاب كائن يوم ينفخ في الصور لا الآن.

وأما الثاني: وهو كون هذا المعنى هو الغالب في القرآن فواضح؛ لأن جميع الآيات التي فيها حركة الجبال كلها في يوم القيامة، كقوله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (٩) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (١٠)} وقوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} وقوله تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (٢٠)} وقوله تعالى: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (٣)}.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} جاء نحوه في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤)} وقوله تعالى: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} وتسيير الجبال وإيجادها ونصبها قبل تسييرها كل ذلك صنع متقن.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (٨٨)} قد قدمنا الآيات التي بمعناه في أول سورة هود في الكلام على قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} إلى قوله: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٥)}.