للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاحش، وغلط مادح. وفي هذه الآية الكريمة إيضاح لهذه الفتنة وتخفيف لشأنها أنزله الله في كتابه قبل وقوعها بأزمان كثيرة، فسبحان الحكيم الخبير ما أعلمه، وما أعظمه، وما أحسن تعليمه.

فقد أوضح جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن أكثر الناس لا يعلمون، ويدخل فيهم أصحاب هذه العلوم الدنيوية دخولًا أوليًا، فقد نفى عنهم جلَّ وعلا اسم العلم بمعناه الصحيح الكامل؛ لأنهم لا يعلمون شيئًا عمن خلقهم، فأبرزهم من العدم إلى الوجود، ورزقهم، وسوف يميتهم، ثم يحييهم، ثم يجازيهم على أعمالهم، ولم يعلموا شيئًا عن مصيرهم الأخير الذي يقيمون فيه إقامة أبدية في عذاب فظيع دائم، ومن غفل عن جميع هذا فليس معدودًا من جنس من يعلم كما دلت عليه الآيات القرآنية المذكورة، ثم لما نفى عنهم جلَّ وعلا اسم العلم بمعناه الصحيح الكامل أثبت لهم نوعًا من العلم في غاية الحقارة بالنسبة إلى غيره.

وعاب ذلك النوع المذكور من العلم بعيبين عظيمين:

أحدهما: قلته وضيق مجاله؛ لأنه لا يجاوز ظاهرًا من الحياة الدنيا، والعلم المقصور على ظاهر من الحياة الدنيا في غاية الحقارة، وضيق المجال بالنسبة إلى العلم بخالق السماوات والأرض جلَّ وعلا، والعلم بأوامره ونواهيه، وبما يقرب عبده منه، وما يبعده منه، وما يخلد في النعيم الأبدي والعذاب الأبدي من أعمال الخير والشر.

والثاني منهما: هو دناءة هدف ذلك العلم، وعدم نبل غايته، لأنه لا يتجاوز الحياة الدنيا، وهي سريعة الانقطاع والزوال. ويكفيك من تحقير هذا العلم الدنيوي أن أجود أوجه الإعراب في قوله: