للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل ما خلقهما إلَّا بالحق؛ لأنه لو كان خلقهما عبثًا لكان ذلك العبث باطلًا ولعبًا، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، بل ما خلقهما وخلق جميع ما فيهما وما بينهما إلَّا بالحق، وذلك أنه يخلق فيهما الخلائق، ويكلفهم فيأمرهم وينهاهم ويعدهم ويوعدهم، حتى إذا انتهى الأجل المسمى لذلك بعث الخلائق، وجازاهم فيظهر في المؤمنين صفات رحمته ولطفه وجوده وكرمه وسعة رحمته ومغفرته، وتظهر في الكافرين صفات عظمته، وشدة بطشه، وعظم نكاله، وشدة عدله، وإنصافه. دلت عليه آيات كثيرة من كتاب الله، كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (٣٨) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٩) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠)} فقوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ} الآية بعد قوله: {مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} يبين ما ذكرنا. وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ} الآية.

فقوله تعالى: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ} بعد قوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} يوضح ذلك، وقد أوضحه تعالى في قوله: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١)}.

وقد بين جلَّ وعلا أن الذين يظنون أنه خلقهما باطلًا، لا لحكمةٍ الكفار، وهددهم على ذلك الظن الكاذب بالويل من النار، وذلك في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧)} وبين جلَّ وعلا أنه لو لم يبعث الخلائق ويجازهم لكان خلقه لهم أولًا عبثًا، ونزه نفسه عن ذلك العبث سبحانه وتعالى عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله علوًا كبيرًا،