وقد بين تعالى في آيات أخر أن الناس تتوفاهم ملائكة لا ملك واحد، كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآية، وقوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧)} وقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} الآية، وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١)} إلى غير ذلك من الآيات.
وإيضاح هذا عند أهل العلم أن الموكل بقبض الأرواح ملك واحد، هو المذكور هنا، ولكن له أعوان يعملون بأمره ينتزعون الروح إلى الحلقوم، فيأخذها ملك الموت، أو يعينونه إعانة غير ذلك.
وقد جاء في حديث البراء بن عازب الطويل المشهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر فيه أن ملك الموت إذا أخذ روح الميت أخذها من يده بسرعة ملائكة فصعدوا بها إلى السماء. وقد بين فيه - صلى الله عليه وسلم - ما تعامل به روح المؤمن وروح الكافر بعد أخذ الملائكة له من ملك الموت حين يأخذها من البدن. وحديث البراء المذكور صححه غير واحد، وأوضح ابن القيم في (كتاب الروح) بطلان تضعيف ابن حزم له.
والحاصل: أن حديث البراء المذكور دل على أن مع ملك الموت ملائكة آخرين يأخذون من يده الروح حين يأخذه من بدن الميت. وأما قوله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} فلا إشكال فيه؛ لأن الملائكة لا يقدرون أن يتوفوا أحدًا إلَّا بمشيئته جلَّ وعلا:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا}.
فتحصل: أن إسناد التوفي إلى ملك الموت في قوله هنا: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} لأنه هو المأمور بقبض الأرواح، وأن إسناده لملائكة في قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ