لا يجزئ في الإِطعام أقل من إطعام ستين مسكينًا، وهو مذهب مالك، والشافعي، والمشهور من مذهب أحمد خلافًا لأبي حنيفة القائل بأنه هو أطعم مسكينًا واحدًا ستين يومًا أجزأه، وهو رواية عن أحمد، وعلى هذا يكون المسكين في الآية مأولًا بالمد، والمعنى فإطعام ستين مدًا، ولو دفعت لمسكين واحد في ستين يومًا.
وإنما قلنا: إن القول بعدم إجزاء أقل من الستين هو الأظهر؛ لأن قوله تعالى: مسكينًا تمييز لعدد هو الستون، فحمله على مسكين واحد خروج بالقرآن عن ظاهره المتبادر منه بغير دليل يجب الرجوع إليه، وهو لا يصح. ولا يخفى أن نفع ستين مسكينًا أكثر فائدة من نفع مسكين واحد في ستين يومًا، لفضل الجماعة، وتضافر قلوبهم على الدعاء للمحسن إليهم بالإِطعام، فيكون ذلك أقرب إلى الإِجابة من دعاء واحد. وستون جمع كثير من المسلمين لا يخلو غالبًا من صالح مستجاب الدعوة فرجاء الاستجابة فيهم أقوى منه في الواحد كما لا يخفى. وعلى كل حال فقوله تعالى في محكم كتابه:{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} لا يخفى فيه أن قوله: فإطعام ستين مصدر مضاف إلى مفعوله، فلفظ: ستين الذي أضيف إليه المصدر، هو عين المفعول به الواقع عليه الإِطعام، وهذا العدد الذي هو المفعول به للإِطعام، مبين بالتمييز الذي هو قوله تعالى: مسكينًا، وبذلك يتحقق أن الإِطعام في الآية واقع على نفس العدد الذي هو ستون، فالاقتصار به على واحد خروج بنص القرآن عن ظاهره المتبادر منه بلا دليل يجب الرجوع إليه كما ترى. وحمل المسكين في هذه الآية الكريمة على المد من أمثلة المالكية والشافعية في