ذلك، بل قد ينكشف عنها خمارها من غير قصد، فيراها بعض الرجال من غير قصد كشفها عن وجهها، كما أوضحناه في رؤية جابر سفعاء الخدين. ويحتمل أن يكون يعرف حسنها قبل ذلك الوقت لجواز أن يكون قد رآها قبل ذلك وعرفها. ومما يوضح هذا أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي روى عنه هذا الحديث لم يكن حاضرًا وقت نظر أخيه إلى المرأة، ونظرها إليه؛ لما قدمنا من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدمه بالليل من مزدلفة إلى منى في ضعفة أهله، ومعلوم أنه إنما روى الحديث المذكور من طريق أخيه الفضل، وهو لم يقل له: إنها كانت كاشفة عن وجهها، وإطلاع الفضل على أنها وضيئة حسناء لا يستلزم السفور قصدًا؛ لاحتمال أن يكون رأى وجهها، وعرف حسنه من أجل انكشاف خمارها من غير قصد منها، واحتمال أنه رآها قبل ذلك وعرف حسنها.
فإن قيل: قوله: إنها وضيئة، وترتيبه على ذلك بالفاء قوله: فطفق الفضل ينظر إليها، وقوله: وأعجبه حسنها، فيه الدلالة الظاهرة على أنه كان يرى وجهها، وينظر إليه لإِعجابه بحسنه.
فالجواب: أن تلك القرائن لا تستلزم استلزامًا لا ينفك أنها كانت كاشفة، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآها كذلك، وأقرها، لما ذكرنا من أنواع الاحتمال، مع أن جمال المرأة قد يعرف، وينظر إليها؛ لجمالها وهي مختمرة، وذلك الحسن قدها وقوامها، وقد تعرف وضاءتها وحسنها من رؤية بنانها فقط كما هم معلوم، ولذلك فسر ابن مسعود:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالملاءة فوق الثياب كما تقدم. ومما يوضح أن الحسن يعرف من تحت الثياب قول الشاعر:
طافت أمامة بالركبان آونة ... يا حسنها من قوام ما ومنتقبا