وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} أي: ومن قدر على خلق الأكبر فلا شك أنه قادر على خلق الأصغر، كخلق الإنسان خلقًا جديدًا بعد الموت. وقال تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨١)} وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣)} وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} وقال تعالى في النازعات موضحًا الاستفتاء المذكور في آية الصافات هذه: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٣٢) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣)}.
وقد علمت أن وجه العبارة بمن التي هي للعالم في قوله تعالى:{أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} عن السماوات والأرض والكواكب هو تغليب ما ذكر معها من العالم كالملائكة على غير العالم، وذلك أسلوب عربي معروف.
وأما البرهان الثاني: فهو في قوله: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (١١)} لأن من خلقهم أولًا من طين، وأصله التراب المبلول بالماء لا يشك عاقل في قدرته على خلقهم مرة أخرى بعد أن صاروا ترابًا؛ لأن الإعادة لا يعقل أن تكون أصعب من البدء. والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة جدًّا، كقوله تعالى:{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} الآية. وقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ}.