للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يسمونه المجاز المرسل الذي يعدون من علاقاته السببية والمسببية، لا داعي إليه، ولا دليل عليه يجب الرجوع إليه.

وإطلاق الرزق في آية المؤمن هذه على المطر جاء مثله في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في أول سورة الجاثية: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}، فأوضح بقوله: {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} أن مراده بالرزق المطر؛ لأن المطر هو الذي يحيى الله به الأرض بعد موتها.

وقد أوضح جل وعلا أنه إنما سمى المطر رزقًا لأن المطر سبب الرزق، في آيات كثيرة من كتابه، كقوله تعالى في سورة البقرة: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} الآية، والباء في قوله: (فأخرج به) سببية كما ترى، وكقوله تعالى في سورة إبراهيم: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ} الآية، وقوله تعالى في سورة ق: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقًا لِلْعِبَادِ}.

وبين في آيات أخر أن الرزق المذكور شامل لما يأكله الناس، وما تأكله الأنعام، لأن ما تأكله الأنعام يحصل بسببه للناس الانتفاع بلحومها، وجلودها، وألبانها، وأصوافها وأوبارها وأشعارها، كما تقدم، كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (٢٧) وقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} الآية، فقوله: (فيه تسيمون) أي تتركون أنعامكم سائمة فيه تأكل منه من غير