إني لعمرك ما بابي بذي غلق ... على الصديق ولا خيري بممْنونِ
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن أجرهم غير ممنون، نص الله تعالى عليه في آيات أخر من كتابه، كقوله تعالى في آخر سورة الانشقاق: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥)}، وقوله تعالى في سورة التين: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦)}، وقوله تعالى في سورة هود: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)}.
فقوله:(غير مجذوذ) أي مقطوع؛ وبه تعلم أن (غير مجذوذ) و (غير ممنون) معناهما واحد.
وقوله تعالى في ص: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (٥٤)} أي ما له من انتهاء ولا انقطاع، وقوله في النحل:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}.
وهذا الذي ذكرنا هو الذي عليه الجمهور، خلافًا لمن قال: إن معنى (غير ممنون) غير ممنون عليهم به، وعليه، فالمن في الآية من جنس المن المذكور في قوله تعالى:{لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}.
ومن قال: إن معنى (غير ممنون) غير منقوص، محتجًا بأن العرب تطلق الممنون على المنقوص، قالوا: ومنه قول زهير:
فضل الجياد على الخيل البِطاء فلا ... يعطي بذلك مَمْنونًا ولا نَزِقَا
فقوله:"ممنونًا" أي منقوصًا.
وهذا وإن صح لغة، فالأظهر أنه ليس معنى الآية، بل معناها هو ما قدمنا. والعلم عند الله تعالى.