للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثالث: أن المسوغ لصيغة المبالغة، أن عذابه تعالى بالغ من العظم والشدة أنه لولا استحقاق المعذبين لذلك العذاب بكفرهم ومعاصيهم، لكان مُعَذَّبهمٍ به ظلَّامًا بليغ الظلم متفاقِمَه، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.

وهذا الوجه والذي قبله أشار لهما الزمخشري في سورة الأنفال.

الوجه الرابع: ما ذكره بعض علماء العربية وبعض المفسرين، من أن المراد بالنفي في قوله {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦)} نفي نسبة الظلم إليه؛ لأن صيغة فعَّال تستعمل مرادًا بها النسبة فتغني عن ياء النسب، كما أشار له في الخلاصة بقوله:

ومعَ فاعل وفعَّال فَعِلْ ... في نَسَب أغنى عَنِ اليا فَقُبِلْ

ومعنى البيت المذكور: أن الصيِغ الثلاثة المذكورة فيه التي هي فاعل كظالم، وفعَّال كظلَّام، وفَعِل كفرِح، كل منها قد تستعمل مرادًا بها النسبة، فيستغنى بها عن ياء النسب، ومثاله في "فاعل" قول الحطيئة في هجوه الزبرقان بن بدر التميمي:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فالمراد بقوله "الطاعم الكاسي" النسبة، أي ذو طعام وكسوة. وقول الآخر، وهو من شواهد سيبويه:

وغررتني وزعمت أنك ... لَابِنٌ في الصيف تامر

أي ذو لبن وذو تمر. وقول نابغة ذبيان:

كِليني لِهَمٍّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكبِ