للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان ذلك كذلك، فمعنى الآية الكريمة: (يذرؤكم) أي يخلقكم ويبثكم وينشركم (فيه)، أي فيما ذكر من الذكور والإِناث، أي في ضمنه، عن طريق التناسل كما هو معروف.

ويوضح ذلك في قوله تعالى: {اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}، فقوله تعالى: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} يوضح معنى قوله: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ}.

فإن قيل: ما وجه إفراد الضمير المجرور في قوله: (يذرؤكم فيه) مع أنه على ما ذكرتم، عائد إلى الذكور والإِناث من الآدميين والأنعام؟

فالجواب: أن من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن، رجوع الضمير أو الإِشارة بصيغة الإِفراد إلى مثنى أو مجموع باعتبار ما ذكر مثلًا.

ومثاله في الضمير: {قُلْ أَرَأَيتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} الآية، فالضمير في قوله: (به) مفرد، مع أنه راجع إلى السمع والأبصار والقلوب.

فقوله: {يَأْتِيكُمْ بِهِ} أي بما ذكر من سمعكم وأبصاركم وقلوبكم، ومن هذا المعنى قول رؤبة بن العجاج:

فيها خطوط من سواد وبلق ... كأنه في الجلد توليع البهق

فقوله: "كأنه" أي ما ذكر من خطوط من سواد وبلق.

ومثاله في الإِشارة: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَينَ ذَلِكَ} أي بين ذلك المذكور من فارض وبكر، وقول عبد الله بن الزبعرى السهمي:

إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل

أي كلا ذلك المذكور من الخير والشر.