أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ مَالًا} الآية، أن جميع الرسل عليهم الصلوات والسلام لا يأخذون أجرًا على التبليغ، وذكرنا الآيات الدالة على ذلك.
وقد ذكرنا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، وجه الجمع بين تلك الآيات، وآية الشورى هذه، فقلنا فيه:
اعلم أولًا أن في قوله تعالى {إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} أربعة أقوال:
الأول: ورواه الشعبي وغيره عن ابن عباس، وبه قال مجاهد وقتادة وعكرمة وأبو مالك والسدي والضحاك وابن زيد وغيرهم، كما نقله عنهم ابني جرير وغيره، أن معنى الآية {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرًا إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} أي إلا أن تودوني في قرابتي التي بيني وبينكم، فتكفوا عني أذاكم وتمنعوني من أذى الناس، كما تمنعون كل من بينكم وبينه مثل قرابتي منكم، وكان - صلى الله عليه وسلم - له في كل بطن من قريش رحم، فهذا الذي سألهم ليس بأجر على التبليغ؛ لأنه مبذول لكل أحد؛ لأن كل أحد يوده أهل قرابته وينتصرون له من أذى الناس.
وقد فعل له ذلك أبو طالب، ولم يكن أجرًا على التبليغ؛ لأنه لم يؤمن.
وإذا كان لا يسأل أجرًا إلا هذا الذي ليس بأجر، تحقق أنه لا يسأل أجرًا، كقول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
ومثل هذا يسميه البلاغيون تأكيد المدح بما يشبه الذم.
وهذا القول هو الصحيح في الآية، واختاره ابن جرير، وعليه فلا إشكال.