وقوله:(بطشًا) تمييز محول من الفاعل، على حد قوله في الخلاصة:
والفاعل المعنى انصبن بأفعَلا ... مفضِّلًا كانت أعلا منزِلا
والبطش: أصله الأخذ بعنف وشدة.
والمعنى: فأهلكنا قومًا أشد بطشًا من كفار مكة الذين كذبوا نبينا، بسبب تكذيبهم رسلهم، فليحذر الكفار الذين كذبوك أن نهلكهم بسبب ذلك كما أهلكنا الذين كانوا أشد منهم بطشًا، أي أكثر منهم عَددًا وعُددًا وجلدًا.
فعلى الأضعف الأقل أن يتعظ بإهلاك الأقوى الأكثر.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨)} أي صفتهم التي هي إهلاكهم المستأصل، بسبب تكذيبهم الرسل.
وقول من قال: {مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨)} أي عقوبتهم وسنتهم، راجع في المعنى إلى ذلك.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من تهديد الكفار الذين كذبوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ، بأن الله أهلك من هم أقوى منهم، ليحذروا أن يفعل بهم مثل ما فعل بأولئك، جاء موضحًا في آيات أخر، كقوله تعالى:{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} الآية، وقوله تعالى:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ} الآية، وقوله تعالى:{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيهِمْ مِدْرَارًا} إلى قوله: {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} الآية، وقوله تعالى: