للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}، كقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١)} فهو غلط فاحش، والفرق بين معنى الآيتين شاسع، فَظَنُّ استوائها في المعنى باطل.

وإيضاح ذلك: أن قوله تعالى {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} الآية، معناه المقصود منه جار على الأسلوب العربي، ولا إيهام فيه؛ لأنا أوضحنا سابقًا أن مدار صدق الشرطية على صحة الربط بين شرطها وجزائها، فهي صادقة ولو كذب طرفاها عند إزالة الربط كما تقدم إيضاحه قريبًا.

فربط قوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} بقوله: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ} صحيح لا إشكال فيه؛ لأن الشاك في الأمر شأنه أن يسأل العالم به عنه كما لا يخفى، فهي قضية صادقة، مع أن شرطها وجزاءها كلاهما باطل بانفراده، فهي كقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}، فهي شرطية صادقة لصحة الربط بين طرفيها، وإن كان الطرفان باطلين عند إزالة الربط.

أما قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١)} على القول بأن (إن) شرطية لا تمكن صحة الربط بين شرطها وجزائها البتة؛ لأن الربط بين المعبود وبين كونه والدًا أو ولدًا لا يصح بحال.

ولذا جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا أشك ولا أسأل أهل الكتاب"، فنفى الطرفين مع أن الربط صحيح، ولا يمكن أن ينفي - صلى الله عليه وسلم - هو ولا غيره الطرفين في الآية الأخرى، فلا يقول هو ولا غيره: ليس له ولد ولا أعبده.

وعلى كل حال، فالربط بين الشك وسؤال الشاك للعالم أمر