ونظيره أن يقول العدلي للمجبر: إن كان الله تعالى خالقًا للكفر في القلوب ومعذبًا عليه عذابًا سرمدًا فأنا أول من يقول: هو شيطان وليس بإله.
فمعنى هذا الكلام وما وضع له أسلوبه ونظمه نفي أن يكون الله تعالى خالقًا للكفر، وتنزيهه عن ذلك وتقديسه، ولكن على طريق المبالغة فيه من الوجه الذي ذكرنا، مع الدلالة على سماجة المذهب، وضلالة الذاهب إليه، والشهادة القاطعة بإحالته، والإِفصاح عن نفسه بالبراءة منه، وغاية النفار والاشمئزاز من ارتكابه.
ونحو هذه الطريقة قول سعيد بن جبير رحمه الله للحجاج حين قال له: أما والله لأبدلنك بالدنيا نارًا تلظى: "لو عرفتُ أن ذلك إليك ما عبدت إلهًا غيرك".
وقد تمحل الناس بما أخرجوه به من هذا الأسلوب الشريف المليء بالنكت والفوائد، المستقل بإثبات التوحيد على أبلغ وجوهه، فقيل: إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول العابدين الموحدين لله، المكذبين قولكم لإِضافة الولد إليه. اهـ. الغرض من كلام الزمخشري.
وفي كلامه هذا من الجهل بالله، وشدة الجراءة عليه، والتخبط والتناقض في المعاني اللغوية ما الله عالم به، ولا أظن أن ذلك يخفى على عاقل تأمله.
وسنبين لك ما يتضح به ذلك، فإنه أولًا قال: "إن كان للرحمن ولد وصحَّ ذلك ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها فأنا