وأما الأمر الثاني، فقد بين تعالى أنه هو شأن عباده الطيبين، ومعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - سيدهم، كما قال تعالى {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (٦٣)}، وقال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (٥٥)}، وقال عن إبراهيم أنه لمَّا قال له أبوه: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦)}، قال له:{سَلَامٌ عَلَيكَ}.
ومعنى السلام في الآيات المذكورة، إخبارهم بسلامة الكفار من أذاهم، ومن مجازاتهم لهم بالسوء، أي سلمتم منا، لا نسافهكم ولا نعاملكم بمثل ما تعاملوننا.
وأما الأمر الثالث الذي هو تهديد الكفار بأنهم سيعلمون الحقيقة، فقد جاء موضحًا في آيات كتاب الله، كقوله تعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨)}، وقوله تعالى: {لِكُلِّ نَبَإ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧)}، وقوله: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٥)}، وقوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤)}، وقوله تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَينَ الْيَقِينِ (٧)} إلى غير ذلك من الآيات.
وكثير من أهل العلم يقول: إن قوله تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} وما في معناه، منسوخ بآيات السيف، وجماعات من المحققين يقولون: هو ليس بمنسوخ.
والقتال في المحل الذي يجب فيه القتال، والصفح عن الجهلة والإِعراض عنهم، وصف كريم، وأدب سماوي، لا يتعارض مع ذلك، والعلم عند الله تعالى.