كل أمر حكيم من أرزاق العباد وآجالهم، وجميع أمورهم فيها، إلى الأخرى القابلة، إلى أن قال: فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل، ونسخة الحروب إلى جبرائيل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت. اهـ محل الغرض منه بلفظه.
ومرادنا بيان معنى الآية، لا التزام صحة دفع النسخ المذكورة للملائكة المذكورين؛ لأنا لم نعلم له مستندًا.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، يدل أيضًا على أن الليلة المباركة هي ليلة القدر، فهو بيان قرآني آخر.
وإيضاح ذلك أن معنى قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيلَةِ الْقَدْرِ (١)} أي في ليلة التقدير لجميع أمور السنة، من رزق، وموت وحياة وولادة، ومرض وصحة، وخصب وجدب، وغير ذلك من جميع أمور السنة.
قال بعضهم: حتى إن الرجل لينكح ويتصرف في أموره ويولد له، وقد خرج اسمه في الموتى في تلك السنة.
وعلى هذا التفسير الصحيح لليلة القدر، فالتقدير المذكور هو بعينه المراد بقوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)}.
وقد قدمنا في سورة الأنبياء في الكلام على قوله تعالى:{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيهِ} أن قَدَر، بفتحِ الدال مخففًا، يقدُر ويقدِر، بالكسر والضم، كيضرِب وينصُر، قدرًا، بمعنى قدَّر تقديرًا، وأن ثعلبًا أنشد لذلك قول الشاعر:
فليست عشيات الحمى برواجع ... لنا أبدًا ما أورق السلم النضر