للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أساليب اللغة العربية إطلاق الإشارة إلى البعيد على الإِشارة إلى القريب، كقوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} بمعنى هذا الكتاب، كما حكاه البخاري عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، ومن شواهده قول خفاف بن ندبة السلمي:

فإن تك خيلي قد أصيب صميمها ... فعمدًا على عيني تيممت مالكا

أقول له والرمح يأطر متنه ... تأمل خفافًا إنني أنا ذالكا

يعني أنا هذا.

وقد أوضحنا هذا المبحث وذكرنا أوجهه في كتابنا (دفع إبهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في أول سورة البقرة.

وقوله تعالى: {نَتْلُوهَا} أي نقرؤها عليك.

وأسند جل وعلا تلاوتها إلى نفسه؛ لأنها كلامه الذي أنزله على رسوله بواسطة الملك، وأمر الملك أن يتلوه عليه مبلغًا عنه جل وعلا.

ونظير ذلك قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَينَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ (١٩)}.

فقوله: (فإذا قرأناه) أي قرأه عليك الملك المرسل به من قبلنا مبلغًا عنا، وسمعته منه، (فاتبع قرآنه) أي فاتبع قراءته واقرأه كما سمعته يقرؤه.

وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيكَ وَحْيُهُ}.

وسماعه - صلى الله عليه وسلم - القرآن من الملك المبلغ عن الله كلام الله وفهمه له هو معنى تنزله إياه على قلبه في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ}، وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ