قال مقيده - عفا الله عنه -: الذي يظهر لي -والله تعالى أعلم- أن أحسن ما يعتذر به عن عثمان، وعائشة في الإتمام في السفر أنهما فهما من بعض النصوص أن القصر في السفر رخصة، كما ثبت في صحيح مسلم أنه صدقة تصدق الله بها اهـ. وأنه لا بأس بالإتمام لمن لا يشق عليه ذلك كالصوم في السفر، ويدل لذلك ما رواه هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة "أنها كانت تصلي أربعا، قال: فقلت لها: لو صليت ركعتين، فقالت: يا ابن أختي إنه لا يشق علي" وهذا أصرح شيء عنها في تعيين ما تأولت به. والله أعلم.
الفرع السادس: لا يجوز للمسافر في معصية القصر؛ لأن الترخيص له، والتخفيف عليه إعانة له على معصيته، ويستدل لهذا بقوله تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} الآية. فشرط في الترخيص بالاضطرار إلى أكل الميتة كونه غير متجانف لإثم، ويفهم من مفهوم مخالفته أن المتجانف لإثم لا رخصة له، والعاصي بسفره متجانف لإثم، والضرورة أشد في اضطرار المخمصة منها في التخفيف بقصر الصلاة، ومنع ما كانت الضرورة إليه ألجأ بالتجانف للإثم يدل على منعه به فبما دونه من باب أولى، وهذا النوع من مفهوم المخالفة من دلالة اللفظ عند الجمهور، لا من القياس خلافا للشافعي، وقوم كما بيناه مرارا في هذا الكتاب، وهو المعروف بإلغاء الفارق، وتنقيح المناط، ويسميه الشافعي القياس في معنى الأصل. وبهذا قال مالك، والشافعي، وأحمد، وخالف في هذه المسألة أبو حنيفة -رحمه الله- فقال: يقصر العاصي بسفره كغيره، لإطلاق النصوص، ولأن السفر الذي هو مناط القصر ليس