وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيئًا} أي إن كنت افتريت هذا القرآن، على سبيل الفرض.
والتقدير: عاجلني الله بعقوبته الشديدة، وأنتم لا تملكون لي منه شيئًا، أي لا تقدرون أن تدفعوا عني عذابه إن أراد أن يعذبني على الافتراء، فكيف أفتريه لكم، وأنتم لا تقدرون على دفع عذاب الله عني؟
وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحًا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَينَا بَعْضَ الْأَقَاويلِ (٤٤) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧)}.
فقوله تعالى في آية الحاقة هذه: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَينَا بَعْضَ الْأَقَاويلِ (٤٤)} كقوله في آية الأحقاف: {قُلْ إِنِ افْتَرَيتُهُ}.
وقوله في الحاقة: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧)} يوضح معنى قوله: {فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيئًا}؛ لأن معنى قوله: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧)} أنهم لا يقدرون على أن يحجزوا عنه أي يدفعوا عنه عقاب الله له بالقتل، لو تقول عليه بعض الأقاويل، وذلك هو معنى قوله:{فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيئًا} أي لا تقدرون على دفع عذابه عني.
ونظير ذلك في المعنى قوله تعالى:{قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}، وقوله تعالى:{وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيئًا} وما تضمنته آية الأحقاف هذه وآية الحاقة المبينة لها من أنَّه