بِكُمْ} هو فرح المشركون واليهود والمنافقون، وقالوا: كيف نتبع نبيًّا لا يدري ما يفعل به ولا بنا، وأنه لا فضل له علينا، ولولا أنَّه ابتدع الذي يقوله من عند نفسه، لأخبره الذي بعثه بما يفعل به، فنزلت:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} فنسخت هذه الآية، وقالت الصحابة: هنيئًا لك يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لقد بين لك الله ما يفعل بك فليت شعرنا ما هو فاعل بنا، فنزلت:{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} الآية، ونزلت: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (٤٧)}.
فالظاهر أن هذا كله خلاف التحقيق، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجهل مصيره يوم القيامة؛ لعصمته صلوات الله وسلامه عليه، وقد قال له الله تعالى: {وَلَلْآخِرَةُ خَيرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)}، وأن قوله:{وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} في أمور الدنيا كما قدمنا.
فإن قيل: قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أم العلاء الأنصارية ما يدل على أن قوله:{مَا يُفْعَلُ بِي} أي في الآخرة، فإن حديثها في قصة وفاة عثمان بن مظعون رضي الله عنه عندهم، ودخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيه أنَّها قالت: رحمة الله عليك أبا السائب، شهادتي عليك لقد أكرمك الله عَزَّ وَجَلَّ، تعني عثمان بن مظعون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقلت: لا أدري بأبي أنت وأمي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أما هو فقد جاءه اليقين من ربه، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي" الحديث.