إلَّا أنَّه يحفظ ما سمع منه ولا يقاس عليه، ومن أمثلته في التشبيه قول الراجز:
ومنهل مغبرة أرجاؤه ... كأن لون أرضه سماؤه
أي كأن سماءه لون أرضه، وقول الآخر:
وبدا الصباح كأن غرته ... وجه الخليفة حين يمتدح
لأن أصل المراد تشبيه وجه الخليفة بغرة الصباح، فقلب التشبيه ليوهم أن الفرع أقوى من الأصل في وجه الشبه.
قالوا: ومن أمثلته في القرآن: {وَآتَينَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} لأن العصبة من الرجال هي التي تنوء بالمفاتيح أي تنهض بها بمشقة وجهد لكثرتها وثقلها، وقوله تعالى:{فَعَمِيَتَ عَلَيهُمُ الأَنْبَاءُ} أي عموا عنها.
ومن أمثلته في كلام العرب قول كعب بن زهير:
كأن أوب ذراعيها إذا عرقت ... وقد تلفع بالقور العساقيل
لأن معنى قوله:"تلفع" لبس اللفاع وهو اللحاف، والقور: الحجارة العظام، والعساقيل: السراب.
والكلام مقلوب؛ لأن القور هي التي تلتحف بالعساقيل لا العكس، كما أوضحه لبيد في معلقته بقوله:
فبتلك إذ رقص اللوامع بالضحى ... واجتاب أردية السراب إكامها
فصرح بأن الإِكام التي هي الحجارة اجتابت أي لبست أردية السراب، والأردية جمع رداء.