العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا إلى صلاة العصر فعجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين. فقال أهل الكتاب: أي ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطا قيراطا، ونحن أكثر عملا، قال الله تعالى:"هل ظلمتكم من أجركم من شيء، قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء" متفق عليه. قال: فهذا دليل على أن وقت العصر أقصر من وقت الظهر، ومن حين يصير ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس هو ربع النهار، وليس بأقل من وقت الظهر، بل هو مثله.
وأجيب عن هذا الاستدلال بأن المقصود من هذا الحديث ضرب المثل، لا بيان تحديد أوقات الصلاة، والمقصود من الأحاديث الدالة على انتهاء وقت الظهر عندما يصير ظل الشيء مثله هو تحديد أوقات الصلاة، وقد تقرر في الأصول أن أخذ الأحكام من مظانها أولى من أخذها لا من مظانها، مع أن الحديث ليس فيه تصريح بأن أحد الزمنين أكثر من الآخر، وإنما فيه أن عملهم أكثر، وكثرة العمل لا تستلزم كثرة الزمن؛ لجواز أن يعمل بعض الناس عملا كثيرا في زمن قليل، ويدل لهذا أن هذه الأمة وضعت عنها الآصار والأغلال التي كانت عليهم.
قال ابن عبد البر: خالف أبو حنيفة في قوله هذا الآثار والناس، وخالفه أصحابه.
فإذا تحققت أن الحق كون أول وقت العصر عندما يكون ظل