للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قدمنا أن بعض ما ترك مالك من النصوص قد بلغته فيه السنة ولكنه رأى غيرها أرجح منها، وأن بعضها لم يبلغه، وأن الحق قد يكون معه في بعض المسائل التي أخذت عليه، وقد يكون مع غيره، كما قال مالك نفسه رحمه الله: كل كلام فيه مقبول ومردود، إلا كلام صاحب هذا القبر.

وهو تارة يقدم دليل القرآن المطلق أو العام على السنة التي هي أخبار آحاد، لأن القرآن أقوى سندًا وإن كانت السنة أظهر دلالة، ولأجل هذا لم يبح ميتة الجراد بدون ذكاة؛ لأنه يقدم عموم {حُرِّمَتْ عَلَيكُمُ الْمَيتَةُ} الآية على حديث "أحلت لنا ميتتان ودمان" الحديث.

وقدم عموم قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} الآية على الأحاديث الواردة بالجهر بآمين" لأن التأمين دعاء، والدعاء مأمور بإخفائه في الآية المذكورة، فالآية أقوى سندًا، وأحاديث الجهر بالتأمين أظهر دلالة في محل النزاع. ومن المعلوم أن أكثر أهل العلم يقدمون السنة في نحو هذا.

وقد قدم مالك رحمه الله دليل القرآن فيما ذكرنا، كما قدمه أيضًا في الثانية من سجدتي الحج؛ لأن نص الآية الكريمة فيها كالصريح في أن المراد سجود الصلاة؛ لأن الله يقول فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ}.

فذكر الركوع مع السجود يدل على أن المراد سجود الصلاة، والأمر بالصلاة في القرآن لا يستلزم سجود التلاوة، كقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) ولذلك لا يسجد عند قوله تعالى في آخر الحجر: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) قالوا: لأن معنى قوله: