والسرور بذلك المولد المبارك من إيقاد الشمع وإمتاع البصر والسمع والتزين بلبس فاخر الثياب وركوب فاره الدواب، أمر مباح لا ينكر على أحد، قياسًا على غيره من أوقات الفرح.
والحكم بكون هذه الأشياء بدعة في هذا الوقت الذي ظهر فيه سر الوجود، وارتفع فيه علم الشهود، وانقشع فيه ظلام الكفر والجحود، وادعاء أن هذا الزمان ليس من المواسم المشروعة لأهل الإِيمان، ومقارنة ذلك بالنيروز والمهرجان، أمر مستثقل تشمئز منه القلوب السليمة وتدفعه الآراء المستقيمة.
ولقد كنت فيما خلا من الزمان خرجت في يوم مولد إلى ساحل البحر، فاتفق أن وجدت هناك سيدي الحاج بن عاشر رحمه الله وجماعة من أصحابه، وقد أخرج بعضهم طعامًا مختلفًا ليأكلوا هنالك، فلما قدموه لذلك أرادوا مني مشاركتهم في الأكل، وكنت إذ ذاك صائمًا فقلت لهم: إني صائم، نظر إليَّ سيدي الحاج نظرة منكرة، وقال لي ما معناه: إن هذا اليوم يوم فرح وسرور يستقبح في مثله الصيام، بمنزلة العيد. فتأملت كلامه فوجدته حقًّا، وكأنني كنت نائما فأيقظني. انتهى بلفظه.
فهذا الكلام الذي يقتضي قبح صوم يوم المولد وجعله كيوم العيد، من غير استناد إلى كتاب الله ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا قول أحد من أصحابه ولا من تابعيه، ولم يقل به أحد من الأئمة الأربعة، ولا من فقهاء الأمصار المعروفين، الذي أدخله بعض المتأخرين في مذهب مالك، ومالك بريء منه براءة الشمس من اللمس، ولم يجر على أصول مذهبه؛ لأن علة تحريم صوم يوم العيد والفطر عنده أن الله تعالى يكلف عباده في كل سنة عبادتين عظيمتين، والأمر بهما