للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعنى ما خلقتهم إلا ليعبدني السعداء منهم ويعصيني الأشقياء، فالحكمة المقصودة من إيجاد الخلق التي هي عبادة الله حاصلة بفعل السعداء منهم، كما يدل عليه قوله تعالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (٨٩)}. وهذا القول نقله ابن جرير عن زيد بن أسلم وسفيان.

وغاية ما يلزم على هذا القول أنه أطلق فيها المجموع وأراد بعضهم، وأمثال ذلك كثيرة في القرآن، ومن أوضحها قراءة حمزة والكسائي: (فإن قتلوكم فاقتلوهم) من القتل لا من القتال، وقد بينا هذا في مواضع متعددة، وذكرنا أن من شواهده العربية قول الشاعر:

فسيف بني عبس وقد ضربوا به ... نبا من يَدَي ورقاء عن رأس خالد

فتراه نسب الضرب لبني عبس مع تصريحه أن الضارب الذي نبا بيده السيف عن رأس خالد يعني ابن جعفر الكلابي، هو ورقاء يعني ابن زهير العبسي.

وقد قدمنا في الحجرات أن من ذلك قوله تعالى: {قَالتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} الآية، بدليل قوله: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله: {سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩)}.

وقال بعض العلماء: معنى قوله: (إلا ليعبدون) أي إلا ليقروا لي بالعبودية طوعًا أو كرهًا؛ لأن المؤمن يطيع باختياره والكافر مذعن منقاد لقضاء ربه جبرًا عليه. وهذا القول رواه ابن جرير عن ابن عباس، واختاره، ويدل له قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} الآية، والسجود والعبادة كلاهما خضوع وتذلل لله