العلم، والجزاء بعد التكليف، فظهر بهذا اتفاق الآيات؛ لأن الجزاء لا بد له من تكليف، وهو الابتلاء المذور في الآيات، والتكليف لا بد له من علم، ولذا دل بعض الآيات على أن حكمة الخلق للمخلوقات هي العلم بالخالق، ودل بعضها على أنها الابتلاء، ودل بعضها على أنها الجزاء، وكل ذلك حق لا اختلاف فيه، وبعضه مرت على بعض.
وقد بينا معنى (إلا يعبدون) في كتابنا "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" في سورة هود في الكلام على قوله تعالى: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}، وبينا هناك أن الإرادة المدلول عليها باللام في قوله:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} أي ولأجل الاختلاف إلى شقي وسعيد خلقهم، وفي قوله:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} إرادة كونية قدرية، وأن الإرادة المدلول عليها باللام في قوله: {إلا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} إرادة دينية شرعية.
وبينا هناك أيضًا الأحاديث الدالة على أن الله خلق الخلق منقسمًا إلى شقي وسعيد، وأنه كتب ذلك وقدره قبل أن يخلقهم. وقال تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ}، وقال: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧)}.
والحاصل: أن الله دعا جميع الناس على ألسنة رسله إلى الإيمان به وعبادته وحده، وأمرهم بذلك، وأمره بذلك مستلزم للإرادة الدينية الشرعية، ثم إن الله جل وعلا يهدي من يشاء منهم ويضل من يشاء بإرادته الكونية القدرية، فيصيرون إلى ما سبق به العلم من شقاوة وسعادة.
وبهذا تعلم وجه الجمع بين قوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ