قوله:(وقوم نوح) معطوف على قوله: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (٥٠)} أي: وأهلك قوم نوح، ولم يبين هنا كيفية إهلاكهم، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر من كتابه، كقوله تعالى:{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ} الآية، وقوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١٤)}، وقوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧)}، وقوله تعالى:{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا}، وقوله تعالى: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧)}. والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون قوم نوح أظلم وأطغى، أي أشد ظلمًا وطغيانًا من غيرهم، قد بينه تعالى في آيات أخر، كقوله تعالى: {قَال رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيلًا وَنَهَارًا (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إلا فِرَارًا (٦) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (٧)}، وقوله تعالى: {قَال نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إلا خَسَارًا (٢١) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (٢٢)} إلى قوله: {وَقَدْ أَضَلُّوأ كَثِيرًا}، وقوله تعالى: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إلا فَاجِرًا كَفَّارًا (٢٧)}، وقوله:{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ}.
ومن أعظم الأدلة على ذلك قوله تعالى:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلا خَمْسِينَ عَامًا}؛ لأن قومًا لم يتأثروا بدعوة نبي كريم ناصح في هذا الزمن الطويل، لا شك أنهم أظلم الناس وأطغاهم.