عندهم أموال مكتسبة من الربا، اكتسبوها قبل نزول التحريم، بين الله تعالى لهم أن ما فعلوه من الربا، على البراءة الأصلية قبل نزول التحريم, لا حرج عليهم فيه، إذ لا تحريم إلا ببيان، وذلك في قوله تعالى:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ}، وقولُه:(ما سلف) أي ما مضى قبل نزول التحريم.
ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إلا مَا قَدْ سَلَفَ}، وقوله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَينَ الْأُخْتَينِ إلا مَا قَدْ سَلَفَ}، والأظهر أن الاستثناء فيهما في قوله:(إلا ما قد سلف) منقطع، أي لكن ما سلف من ذلك قبل نزول التحريم فهو عفو؛ لأنه على البراءة الأصلية.
ومن أصرح الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما استغفر لعمه أبي طالب بعد موته على الشرك، واستغفر المسلمون لموتاهم المشركين، عاتبهم الله في قوله:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} الآية، فندموا على الاستغفار لهم، فبين الله لهم أن استغفارهم لهم لا مؤاخذة به؛ لأنه وقع قبل بيان منعه.
وهذا صريح فيما ذكرنا.
وقد قدمنا أن الأخذ بالبراءة الأصلية يعذر به في الأصول أيضًا، في الكلام على قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)}، وبينا هناك كلام أهل العلم في ذلك، وأوضحنا ما جاء في ذلك من الآيات القرآنية. والعلم عند الله تعالى.