وقال بعض العلماء بجواز تعجيل القصاص قبل البرء. وقد عرفت من حديث عمرو بن شعيب المذكور آنفاً أن سراية الجناية بعد القصاص هدر. وقال أبو حنيفة، والشافعي: ليست هدر، بل هي مضمونة. والحديث حجة عليهما، رحمهما الله تعالى، ووجهه ظاهر؛ لأنه استعجل ما لم يكن له استعجاله، فأبطل الشارع حقه.
وإذا عرفت مما ذكرنا تفصيل مفهوم قوله تعالى أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ الآية. فاعلم أن مفهوم قوله:{أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ} هو المذكور في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}.
قال ابن كثير في تفسيره: المحاربة هي المخالفة والمضادة، وهي صادقة على الكفر، وعلى قطع الطريق، وإخافة السبيل، وكذا الإفساد في الأرض، يطلق على أنواع من الشر. وقد قال الله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (٢٠٥)}.
فإذا علمت ذلك فاعلم أن المحارب الذي يقطع الطريق، ويخيف السبيل ذكر الله أن جزاءه واحدة من أربع خلال هي: أن يقتلوا، أو يصلبوا، أو تقطع أيديهم، وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض. وظاهر هذه الآية الكريمة أن الإمام مخير فيها؛ يفعل ما شاء منها بالمحارب، كما هو مدلول أو؛ لأنها تدل على التخيير.