تعالى، واسمان من أسمائه الحسنى، مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، والرحمن أشد مبالغة من الرحيم، لأن الرحمن هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، والرحيم ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة. وعلى هذا أكثر العلماء. وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا.
وفي تفسير بعض السلف ما يدل عليه، كما قاله ابن كثير، ويدل له الأثر المروي عن عيسى -كما ذكره ابن كثير وغيره- أنه قال عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام:"الرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة" وقد أشار تعالى إلى هذا الذي ذكرنا حيث قال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} وقال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته. قاله ابن كثير، ومثله قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّات وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَن} أي: ومن رحمانيته: لطفه بالطير، وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء. ومن أظهر الأدلة في ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) - إلى قوله - فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣)} وقال: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣)} فخصهم باسمه الرحيم.
فإن قيل: كيف يمكن الجمع بين ما قررتم، وبين ما جاء في الدعاء المأثور من قوله - صلى الله عليه وسلم -[رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما؟ ] فالظاهر في الجواب -والله أعلم- أن الرحيم خاص بالمؤمنين كما ذكرنا، لكنه لا يختص بهم في الَاخرة! بل يشمل رحمتهم في الدنيا أيضاً، فيكون معنى رحيمهما رحمته بالمؤمنين فيهما.