ذهب إليه الجمهور من أن كل ما ثبت تحريمه بطريق صحيحة من كتاب أو سنة فهو حرام، ويزاد على الأربعة المذكورة في الآيات، ولا يكون في ذلك أي مناقضة للقرآن؛ لأن المحرمات المزيدة عليه حرمت بعدها.
وقد قرر العلماء أنه لا تناقض يثبت بين القضيتين إذا اختلف زمنها؛ لاحتمال صدق كل منهما في وقتها، وقد اشترط عامة النظار في التناقض اتحاد الزمان؛ لأنه إن اختلف جاز صدق كل منهما في وقتها، كما لو قلت: لم يستقبل بيت المقدس، قد استقبل بيت المقدس، وعنيت بالأولى ما بعد النسخ، وبالثانية ما قبله، فكلتاهما تكون صادقة، وقد أشرت في أرجوزتي في فن المنطق إلى أنه يشترط في تناقض القضيتين اتحادهما فيما سوى الكيف أعني الإيجاب والسلب، من زمان ومكان، وشروط وإضافة، وقوة وفعل، وتحصيل وعدول، وموضوع ومحمول، وجزء وكل، بقولي:
والاتحاد لازم بينهما ... فيما سوى الكيف كشرط علما
والجزء والكل مع المكان ... والفعل والقوة والزمان
إضافة تحصيل أو عدول ... ووحدة الموضوع والمحمول
فوقت نزول الآيات المذكورة لم يكن حراماً غير الأربعة المذكورة، فحصرها صادق قبل تحريم غيرها بلاشك، فإذا طرأ تحريم شيء آخر بأمر جديد فذلك لا ينافي الحصر الأول؛ لتجدده بعده. وهذا هو التحقيق إن شاء الله تعالى، وبه يتضح أن الحق جواز نسخ المتواتر بالسنة الصحيحة الثابت تأخرها عنه وإن منعه أكثر أهل الأصول.