للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيرة نذكر منها على سبيل المثال:

١- أمرنا الله بالدعاء في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، وقد وضحت بعضها في الفقرة السابقة، وكفى أنه سمى الدعاء عبادة، وأكثر من ذلك أن الله وضح أن التوجه إليه بالدعاء والتضرع هو استجابة له وإيمان به، قال تعالى: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: ١٨٦] ، كما أن ذم الذين يصرفون الدعاء لغير الله، والتشنيع بهم هو في ذاته مدح وثناء لمن يدعو الله مخلصا له الدين.

٢- إن الله عز وجل يحب أن يظهر العبد الافتقار إليه، والتذلل بين يديه، والثناء عليه ومدحه بما هو أهله، وإنما يتحقق ذلك بوضوح وجلاء إذا رفع العبد يديه إلى السماء، معلنا بالغ عجزه، وكمال قدرة الله سبحانه وتعالى، وأبلغ ما يدلل على حب الله للدعاء، الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مضى شطر اللّيل- أو ثلثاه- ينزل الله تبارك وتعالى إلى السّماء الدّنيا فيقول: هل من سائل يعطى؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ حتّى ينفجر الصّبح» «١» .

فالنزول الإلهي- على الوجه الذي يليق بالعلي القدير- الحكمة منه أن يتفضل الرب تبارك وتعالى، على السائل وعلى الداعي وعلى المستغفر، ولولا رضى الله عز وجل، على هؤلاء ما توجه إليهم خطاب المولى سبحانه وتعالى في هذا الوقت المبارك، ولو أن أحدا أفضل منهم لتوجه إليه الخطاب بدلا منهم، أو معهم؛ لأنه لا يعقل من الشارع الحكيم أن يتفضل على هؤلاء، وفيه من هو أفضل منهم، ولا يتوجه إليه الخطاب.

٣- الدعاء هو سبيل الأنبياء كلهم جميعا، دعوا الله بخيري الدنيا والآخرة، منهم من دعاه أن يرزقه الذرية الصالحة، قال تعالى: وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ [الأنبياء: ٨٩] ، ومنهم من دعاه بالملك العظيم، قال تعالى على لسان سليمان عليه السلام: قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ص: ٣٥] ، ومنهم من دعاه بأن يكتب له الذكر الحسن، قال تعالى على لسان إبراهيم صلى الله عليه وسلم: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء: ٨٤] ، ومنهم من دعاه بالجنة ومرافقة الصالحين، قال تعالى على لسان يوسف:

أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف: ١٠١] ، ومنهم من دعاه بهلاك الكافرين، قال تعالى: وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح: ٢٦] ، ومنهم


(١) رواه مسلم، كتاب: صلاة المسافرين، باب: الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل، برقم (٧٥٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>