للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ثبوت عرش الرحمن، وكذب من ادعى، أن العرش، إنما يراد به الملك، وثبوت أن العرش له مكان معلوم، فوق السماوات السبع، لقوله صلى الله عليه وسلم: «فأنطلق فاتي تحت العرش» ، وأن العرش شيء مادي محسوس، يقع تحته العبد ساجدا، يصدق ذلك ما ورد عند البخاري، عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «النّاس يصعقون يوم القيامة فأكون أوّل من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطّور» «١» .

ثبوت استواء الله- سبحانه وتعالى- على عرشه استواء يليق بجلاله وكماله، ودليله: «فأقع ساجدا لربي- عز وجل-» . ولولا استواء الله على العرش، ما كان للسجود تحت العرش من معنى، ولكان السجود للعرش، وليس لله المستوي على عرشه، ومع اعتقادنا هذا، فإننا ننزه الله من مشابهة خلقه، وأن كل أسمائه وصفاته إنما هي على وجه يليق بعظمته وكبريائه، ولا يجب الخوض في مثل هذه الأمور، لأنه يستحيل على العبد تصورها، وذلك لقصور العقل وعدم وجود النقل.

عدم خروج النبي صلى الله عليه وسلم عن صفة العبودية، التي هي أعظم المنازل، ودليله: «فأقع ساجدا لربي- عز وجل-» . فالسجود لا يكون إلا من العبد للمعبود، وقوله: «لربي» إقرار أنه- سبحانه وتعالى- هو الرب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو المربوب، وكفى ذلك شرفا له، والذين يثبتون للنبي صلى الله عليه وسلم أمورا لم يثبتها هو لنفسه، ويريدون بذلك أن يرفعوا من قدره، هم في الحقيقة قد جهلوا قدر الله- عز وجل-، لأنهم لو عقلوا قدر الله، لعلموا أن إثبات عبودية النبي صلى الله عليه وسلم الكاملة لله- عز وجل-، هي من أجل المقامات، وأعظم التشريفات، ولا نحتاج معها لإثبات ما لا ينبغي إثباته للنبي صلى الله عليه وسلم.

هـ- من أعظم مظاهر، حب الله- سبحانه وتعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يختصه من دون الأنبياء والملائكة، بفتوحات مباركة من المحامد وحسن الثناء عليه، قال صلى الله عليه وسلم: «ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتح على أحد قبلي» . و «شيئا» هنا جاءت نكرة لتعظيم أمر الفتح الرباني.

ويتفرع على هذا الفتح من المحامد والثناء علمنا بعظيم قدر الله- تبارك وتعالى-، فمع كل هذا الثناء وتلك المحامد، التي ذكرها الأنبياء في الدنيا، خاصة نبينا صلى الله عليه وسلم وكذا


(١) البخاري، كتاب: المناقب، باب: قصة أبي طالب، برقم (٣٨٨٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>