للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعلمنا فضيلة الأخذ بالعزيمة في العبادات، قال تعالى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: ١٣٣] ، فالله- عز وجل- أمرنا في الطاعات بالمسارعة، وأمرنا في أمور الدنيا بالمشي، قال تعالى: فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الملك: ١٥] ، وليعلم المسلم أن الذي يكسل عن الطاعة في أول وقتها، سيكون أشد كسلا في آخر وقتها؛ لأن الشيطان استطاع أن يصده عن الوقت الفضيل، فإذا قام بالعبادة في الوقت الأخير فلن يتقنها، كالذي ينقر العصر نقرا قبل خروج وقتها بقليل، لا يتدبر من صلاته شيئا، وليعلم المسلم أن ما يسوف له الطاعة اليوم، هو معه يسوفها أكثر غدا، وليعلم أيضا، أن أداء الواجبات مع جماعة المسلمين تكون أيسر وأسهل على العبد، قال كعب: (فرجعت لم أقض شيئا، ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو) .

ج- اعترافه بين يدي رسول الله، أن تخلفه لم يكن لعذر بل صدقه القول، أنه ما كان قط أقوى ولا أيسر منه حين تخلف عنه في غزوة تبوك.

٤- إذا كان هذا هو صدق كعب بن مالك، فمن المناسب أن نذكر ما جناه كعب من هذا الصدق، وذلك ليكون دافعا لنا لتحري الصدق في حياتنا كلها.

أ- تجنب سخط الرسول صلى الله عليه وسلم إن ادعى له عذرا كذب فيه، ثم أعلم الله رسوله أنه كاذب في عذره لقول كعب: (ليوشكن الله أن يسخطك علي) .

ب- نجاه الله بصدقه من الهلاك مع الذين هلكوا، وأنزل الله فيهم: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [التوبة: ٩٥] ، وقال كعب: فو الله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط، بعد إذ هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله، ألاأكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد.

ج- أنزل الله- عز وجل- فيه وفي صاحبيه، قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، أثنى عليهم فيهم خير الثناء حيث وصف حزنهم لتخلفهم عن رسول الله، فقال تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ [التوبة: ١١٨] ، وهذا الحزن من كمال الإيمان، كما وصفت الآية لجوءهم إلى الله وخروجهم من حولهم وقوتهم إلى حول الله وقوته، ويقينهم أنه لن ينجيهم مما هم فيه إلا الله، وانقطاع أملهم ورجائهم ممن دونه، قال تعالى: وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة: ١١٨] ، وهذا أبلغ الثناء

<<  <  ج: ص:  >  >>