والمدح، ثم كان الفرج في الآية، وعظيم التشريف أن الله الغني الحميد قد بدأهم بالتوبة عليهم ليتوبوا، قال تعالى: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة: ١١٨] ، وما تاب عليهم إلا بصدقهم ثم بحسن ظنهم بالله- عز وجل- مع حسن التوبة.
د- تحريه الصدق بقية حياته، حتى إنه لا يرى أحدا من أصحاب الرسول، مع جلالة قدرهم، وعلو منزلتهم، كان مثله في صدق الحديث، يقول كعب:(فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث أحسن مما أبلاني) .
هـ- ذكره الحسن في المسلمين، خاصة أهل العلم والفضل بحسن توبته وصدقه- مثل ما ذكرت له الآن- وذكره الحسن إن شاء الله تعالى في الآخرة بصدقه، يؤيد ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الصّدق برّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وإنّ العبد ليتحرّى الصّدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا، وإنّ الكذب فجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وإنّ العبد ليتحرّى الكذب حتّى يكتب كذّابا»«١» ، وغير ذلك كثير، من إخراج ماله صدقة لله- سبحانه وتعالى- وثباته في بلاء كتاب ملك غسان، وكل ذلك زيادة له في حسناته، ورفع في درجاته، وما كان له ذلك إلا بسلوكه سبيل الصادقين، فمن منا يحتذي حذوه ويقتضي أثره؟!، وما زال الله غنيا حميدا شكورا، لكل عباده أصحاب رسول الله، وأفراد أمته إلى يوم القيامة، وعلى المسلم أن يتدبر أيهما أعظم لكعب، صدقه مع ما حدث له من بلاء، أم نجاته المؤقت بالكذب على رسول الله؟
٥- نأخذ من الحديث فقه الصحابي كعب بن مالك، وذلك أنه علم أنه لن ينجيه بين يدي رسول الله إلا الصدق، وأن الكذب لا ينفع ولا يغني من الحق شيئا، قال كعب:
(وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه) . وهذا السلوك يجب أن يتحلى به كل مسلم، ويجب أن يعلم كل أحد أن الصدق أنجى، وأن الله يعلم حال كل كاذب، ويقدر- سبحانه وتعالى- أن يفضحه بين الخلائق في الدنيا قبل الآخرة.
٦- كما نأخذ منه أيضا قوة يقينه بعلم الله بأحوال العباد، وإحاطة سمعه لما يقولون، لقول كعب:(لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي) ، فلن يحدث أن يسخط الله رسوله على كعب، إلا إذا كان يعلم حاله، ويسمع كلامه، واطلع على سريرته فعلم كذبه في أقواله.