للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليك ألاتستعجلي حتّى تستأمري أبويك» - وقد علم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه- قالت: ثمّ قال: «إنّ الله قال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ [الأحزاب: ٢٨] ... » إلى تمام الآيتين- فقلت له: ففي أيّ هذا أستأمر أبويّ؟! فإنيّ أريد الله ورسوله والدّار الآخرة» «١» .

٣- حث الأمة على الزهد في الدنيا، فلولا أن الزهد في الدنيا من أسباب الفوز والفلاح، ما رغّب الله نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه بل وجعله شرطا في البقاء بجوار النبي صلّى الله عليه وسلّم.

٤- ما كان عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم من كمال الزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة ودليله أن الله عز وجل لم يرض من زوجاته إلا هذا المسلك، وأمرهن به وحثهن عليه، فكيف يرضى من نبيه صلّى الله عليه وسلّم بأقل من الكمال فيه.

وكأن الآية الكريمة تلمح إلى أن الإنسان بقدر ما تعلق بالدنيا بقدر ما نقص تعلقه بالآخرة، فالتعلق التام بالدنيا والآخرة لا يجتمعان في قلب واحد، وتزهيد الصحابة في الدنيا كان مسلك النبي صلّى الله عليه وسلّم في تربيتهم، روى البخاري عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنكبي فقال: «كن في الدّنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل» «٢» .

وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك) .

٤- حث الرجال على تسريح زوجاتهن- إذا تم الطلاق- تسريحا جميلا، ففي الآية أمر من الله- سبحانه وتعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلّم، أن امرأة من زوجاته لو اختارت الدنيا- رغم حقارتها على جوار النبي صلّى الله عليه وسلّم- ألا يعنفها ولا يقبحها ولا يقف الأمر عند ذلك، بل يجب تسريحها تسريحا جميلا، فما بالكم لو وقع الطلاق بين زوجين لسبب أقل من ذلك ألا ينبغي أن يكون السراح جميلا؟!.

٥- في الآية دليل على مشروعية طلاق المرأة التي تشغل الرجل عن أمور آخرته لحبها للدنيا وتعلقها بها، وهي أيضا من حقها أن تطلب الطلاق إذا كان زوجها لا يوفر لها أسباب الفوز والفلاح في الآخرة.

قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ [الأحزاب: ٢٩] .


(١) رواه البخاري، كتاب: تفسير القرآن، باب: قوله يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ، برقم (٤٧٨٦) .
(٢) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كن في الدنيا كأنك غريب ... » ، برقم (٦٤١٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>