ومثال هذا ميل الصائم بطبعه إلى الماء البارد، مع أن تقواه تمنعه من الشرب وهو صائم. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة" لأنه ترك ما تميل إليه نفسه بالطبع خوفًا من الله، وامتثالًا لأمره، كما قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.
وهم بني حارثة وبني سلمة بالفرار يوم أحد، كهمِّ يوسف هذا، بدليل قوله:{إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} لأن قوله: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} يدل على أن ذلك الهم ليس معصية؛ لأن إتباع المعصية بولاية الله لذلك العاصي إغراء على المعصية.
والعرب تطلق الهَم وتريد به المحبة والشهوة، فيقول الإنسان فيما لا يحبه ولا يشتهيه: هذا ما يهمني، ويقول فيما يحبه ويشتهيه: هذا أهم الأشياء إلى، بخلاف هم امرأة العزيز، فإنه همّ عزم وتصميم، بدليل أنها شقت قميصه من دبر وهو هارب عنها، ولم يمنعها من الوقوع فيما لا ينبغي إلا عجزها عنه.
ومثل هذا التصميم على المعصية: معصية يؤاخذ بها صاحبها، بدليل الحديث الثابت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي بكرة:"إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قالوا: يا رسول الله قد عرفنا القاتل فما بال المقتول؟ قال:"إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" فصرح - صلى الله عليه وسلم - بأن تصميم عزمه على قتل صاحبه معصية أدخله الله بسببها النار.
وأما تأويلهم همّ يوسف بأنه قارب الهَمّ، ولم يهمّ بالفعل، كقول العرب: قتلته لو لم أخف الله، أي قاربت أن أقتله، كما قاله الزمخشري.