وتأويل الهم بأنه هم بضربها، أو هم بدفعها عن نفسه، فكل ذلك غير ظاهر، بل بعيد من الظاهر ولا دليل عليه.
والجواب الثاني: وهو اختيار أبي حيان: أن يوسف لم يقع منه هم أصلًا، بل هو منفي عنه لوجود البرهان.
قال مقيده -عفا الله عنه-: هذا الوجه الذي اختاره أبو حيان وغيره هو أجرى الأقوال على قواعد اللغة العربية؛ لأن الغالب في القرآن وفي كلام العرب: أن الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه، كقوله:{فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} أي إن كنتم مسلمين فتوكلوا عليه، فالأول: دليل الجواب المحذوف، لا نفس الجواب؛ لأن جواب الشروط، وجواب {لَولا} لا يتقدم، ولكن يكون المذكور قبله دليلًا عليه، كالآية المذكورة، وكقوله:{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي: إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم.
وعلى هذا القول: فمعنى الآية: وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه، أي لولا أن رآه همَّ بها. فما قبل {لوْلا} هو دليل الجواب المحذوف، كما هو الغالب في القرآن واللغة.
ونظير ذلك قوله تعالى:{إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} فما قبل {لَوْلَا} دليل الجواب، أي: لولا أن ربطنا على قلبها لكانت تبدي به.
واعلم أن جماعة من علماء العربية أجازوا تقديم جواب {لَوْلَا} في قوله: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} وهو ما قبله من قوله: