للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبهذين الجوابين تعلم أن يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بريء من الوقوع فيما لا ينبغي، وأنه إما أن يكون لم يقع منه هم أصلًا بناء على أن الهمّ معلق بأداة الامتناع التي هي {لَوْلَا} على انتفاء رؤية البرهان، وقد رأى البرهان فانتفى المعلق عليه، وبانتفائه ينتفي المعلق الذي هو همه بها، كما تقدم إيضاحه في كلام أبي حيان.

وإما أن يكون همه خاطرًا قلبيًا صرف عنه وازع التقوى، أو هو الشهوة والميل الغريزي المزموم بالتقوى كما أوضحناه. فبهذا يتضح لك أن قوله: {وَهَمَّ بِهَا} لا يعارض ما قدمنا من الآيات على براءة يوسف من الوقوع فيما لا ينبغي.

فإذا علمت مما بينا دلالة القرآن العظيم على براءته مما لا ينبغي، فسنذكر لك أقوال العلماء الذين قالوا: إنه وقع منه بعض ما لا ينبغي، وأقوالهم في المراد (بالبرهان) فنقول: قال صاحب الدر المنثور في التفسير بالمأثور: أخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما همّت به تزينت، ثم استلقت على فراشها، وهمّ بها وجلس بين رجليها يحل تُبّانه (١)، نودي من السماء "يا ابن يعقوب، لا تكن كطائر ينتف ريشه فيبقى لا ريش له" فلم يتعظ على النداء شيئًا، حتى رأى برهان ربه جبريل عليه السلام في صورة يعقوب عاضًا على أصبعيه، ففزع فخرجت شهوته من أنامله، فوثب


(١) التبان -بالضم والتشديد-: سراويل صغيرة مقدار شبر يستر العورة.